مسكين !
لم يكن يعلم ما فائدة الجوال ؟ كان يرى هذا و ذاك يمسك كل منهم بهاتفه و يتكلم مع
نفسه كالمجنون في الشارع و في السوق وأثناء الدوام ، و لم يعتقد يومًا أنه سيكون
مثلهم ، إلى أن شاء الرحمن ذلك ، فقد قُدّر له أن تأتيه فرصة للعمل في الخارج في بلاد
الغربة و توجب عليه أن يسافر ، و كان لابد له أن يشتري الهاتف الجوال ، ليتواصل مع
أهله و يتواصل مع أصحاب الشأن في عمله الجديد و يتواصل مع أيّ كان في أي وقت و أي
مكان
و سبحان الخالق المنان الذي يتواصل
مع عباده في كل زمان و مكان ، و قليل من عباده الشكور
و بعد السفر و استلامه العمل الجديد ، جاءه اتصال و هو يمشي في طريق عودته إلى البيت
الذي استأجره ، وعبر الهاتف سمع صوتًا أنثويًا دافئًا يسمعه لأول مرة تغلغل في
عروقه و سرى في دمائه و أصاب جسده برعشة ، و هز خوالج قلبه ، فهل عرفتم ما فائدة
الجوال ؟
-
السلام عليكم
أجاب بكل لهفة :
- و عليكم السلام !
- كيف حالك ؟
جاراها في الكلام :
- بأحسن حال ما دمت
أني سمعتُ صوتكم .
- ماذا تفعل في هذه الأيام ؟
حاول ألاّ يضيع
الفرصة :
-
أشتاق إليكم في كل
ثانية ، كل ما أراه يذكرني بكم ، كل
امرأة أراها أنتِ ، و أنت كل شجرة و زهرة ، و أنتِ ..
قاطعته ضاحكة :
- كفاك لؤمًا
و في هذه اللحظة تعثّر ، و سقط الجوال من يده على الأرض و انكسر ، و غضب غضبًا شديدًا (
لأنه فقد جواله ) ، و لأن الاتصال انقطع ، فقد كانت على
الطرف الآخر ، و كانت تستجيب له ، و كان حياؤها آخر استجابة و آخر ما سمعه و آخر ما أراد الوصول إليه ، و أكثر
ما أثار حنقه أن الصوت الذي معه و الذي كان يحادثه عبر
الهاتف الجوال كان صوت أمه ! و لك أن تتخيل مدى غضبه الآن !
لماذا يغضب الإنسان إذا فقد جواله
؟ و لماذا
يغضب الإنسان إذا فقد اتصاله بأمه و لا يغضب إذا انقطع اتصاله بخالقه ؟
أخذ يلملم بقايا
جهازه الجوال ، و حاول أن يعيد تركيبه فلم يفلح ، ثم وضعه في
جيبه و انطلق إلى حال سبيله و لا يدري أنه في هذه اللحظة مع الطرف الآخر انفتح الخط ، و كان صوت أمه المشتاقة
يقول :
- ألو .. ألو ..
و ما زال الخط
مفتوحًا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق