الأحد، 18 سبتمبر 2022

شكر - قصة قصيرة - تأليف وحيد عبود بروق

-  أ هذا ما حدث حقا يا ولدي؟

سأل الأب ابنه الصغير هذا السؤال بعد أن أخبره ابنه أن عمر – ابن الجيران - دافع عنه ضد متنمرين وأصيب جراء شجار بينه وبينهم، فأجاب الابن:

- نعم يا أبي، لقد أنقذني عمر من المتنمرين، وكان من نتائج ذلك تلك الكدمات على وجهه.

- حق علينا ان نكافئه، إنه ولد طيب، اذهب إلى والدتك وخذ منها نصيبا من المكرونة التي أعدتها واذهب بها إلى عمر، وأخبره أننا ممتنون له، واشكره بنفسك وسوف أشكره وأشكر والده بنفسي إذا قابلتهما.

ذهب الابن الصغير إلى والدته وبلغها بما كلفه به والده، فأخبرته أنها أعدت كمية صغيرة تكفيهم فقط وأمرته أن يأخذ المكرونة الموجودة حاليا ليسلمها إلى الجيران ريثما تعد غيرها في وقت لاحق، وفي طريق خروجه تعمد أن يمرّ على والده حتى يراه وهو يحمل صحن المكرونة، وقد فهم الأب مغزى ابنه وقال له ممازحا:

- لا تأكل منها شيئا في الطريق، واحذر أن يسقط الصحن منك.

- لن يسقط الصحن مني يا أبي، هل لي أن أتأخر عند عمر؟

- لا يا بني، دعه وشأنه، دعه يرتاح، وادع الله له بالخير والعافية، قل له عليك بمكرونة أم صالح، اذهب يا بني ولا تتأخر.

 

خرج الابن الصغير ومعه صحن المكرونة وهو يشعر بالفخر والسعادة، وهذا شعور طبيعي لمن يحس أنه يعمل الخير ويرد المعروف، ولكن رائحة المكرونة الشهية التي أعدتها والدته تدور في رأسه وتدعوه ليتذوقها، وهو مازال طفلا صغيرًا لا يستطيع مقاومة غرائزه، وحدث نفسه بالتالي:

-         أبي نهاني أن أسقط الصحن ونهاني أن آكل منها أيضا، نعم أعلم أنها لصديقي عمر، ولكني أشعر بالجوع ولا أستطيع أن أتحلى بالصبر، ولكن ماذا إن عرف أبي أني تناولت شيئا منها بالتأكيد سيغضب مني، سأصبر حتى أصل لبيت عمر لأنه قريب، وعندما أصل إليه بالتأكيد سيدعوني لتناول هذه المكرونة، ولكن ماذا إن لم يفعل؟ لا يهم، ستعدّ أمي غيرها وخيرًا منها، وربما عندما أخبر أبي أنني لم أتذوق منها شيئا أكافأ بقطعة حلوى أو بقطعة نقدية، لن آكلها.

 

فجأة أحس صالح بخطر يحوم حوله، وإذا به يتعثر بحجرة على الطريق، أمسكتْ أصابعه الصحن بقوة، وضمّه إليه، وتلفّت حوله ليجد شيئا يمنعه من السقوط، لم يستطع حفظ توازنه، لم يكن باستطاعته أن يطوّح بيده في الهواء ليتمسك بأي شيء يحميه من السقوط حتى لا يفلت الصحن من بين يديه، لذا قرر أن يحمي الهدية التي أراد أن يشكر بها صديقه عمر بحياته، الهدية التي يأمل أن ينال بها ولو نظرة إعجاب.

سقط على الارض ولحسن الحظ لم يتحطم الصحن، ما كانت نفسه تهمه بقدر ما كان يهمه أمر الصحن، وكردة فعل طبيعية لسقوط الصحن على الأرض لم يحتسبها الابن الصغير بشكل صحيح أثناء سقوطه على الأرض، طارت المكرونة من الصحن واختلطت بالأرض

 - آه ماذا فعلت! يا لي من أحمق

أخذ يلمّ المكرونة، وحاول بشتى الطرق إبعاد ما علق بها من تراب، وأعادها إلى الصحن، وأخذ يتأمل شكل الطعام في الصحن قائلا:

 - لا فائدة، ضاعت الطبخة، وخربت الهدية، ماذا أفعل يا ترى؟ 

 

لقد أحس بخوف شديد من أشياء شتى، من غضب والدته ومن إخفاقه في تلبية طلب أبيه ومن عجزه عن الإيفاء بوعده لأبيه بعدم إسقاط الصحن، تحول خوفه إلى حرقة حقيقية، حرقة لم يشعر بها من قبل، لقد خسر كل شيء، خسر الهدية، نظرة الإعجاب، تقدير والده، وفرحة والدته، وغاص في بحيرة من الحيرة، ووضع يده على رأسه قائلا:

-  ماذا أفعل؟ ماذا أفعل؟.. 

رفع رأسه، وتلفّت حوله، ثم عقد العزم وقرر أن يتخذ موقف أي ولد في مثل سنه، أتعلمون ماذا قرر؟ 

قرر أن يبكي... 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق