لماذا
أشترك؟..
بينه وبين نفسه
يتساءل، كان يجلس بين الجمهور على مقعد يحضر احتفالا على أحد مسارح الجامعة التي
يدرس فيها، طالب مازال في السنة الأولى يخوض غمار الأدب يشق طريقه في ظل المنافسة
الشرسة في هذا المضمار، رغم أن الجمهور يرتفع تصفيقه عاليا، إلا أن هذا المتسائل
الجالس غاص في عالم آخر يحدّث نفسه:
-
لماذا أشترك؟ وأنا أبذل كل ما في وسعي، أهدر وقتي وأعصابي دون فائدة؟ ،
ما زلتُ أذكر كيف أتعبتُ نفسي يوما باشتراكي في مسابقات أخرى في سبيل الشعور بطعم
النجاح يتحدثون عنه من دون فائدة، أذكرُ أني مشيتُ يوما ثلاث ساعات، لأصل إلى مركز
لإرسال مساهمتي عبر الفاكس، وكم خسرتُ يومها أموالا طائلة، و صدمتُ حقيقة حين
أخبرني صاحب الفاكس أن إرسال الورقة الواحدة يكلف ما قيمته 200 ريال وقتها، ومن
شروط المسابقة إرسال أحد عشر ورقة، ثمانية نسخ منها من المساهمة مع خطاب طلب
ومعلومات عن السيرة الذاتية والسيرة العلمية والمؤهلات وخطاب التزكية من أحد
الجمعيات الأدبية وكلفة إرسال جميع الأوراق بشكل عام تستهلك ثلاثة أرباع المرتب
الذي أتقاضاه من عمل مؤقت أثناء الاجازة الصيفية، ولم تكلل جهودي رغم كل هذا
العناء بالنجاح، وبعد انتهاء الاجازة
و بدء الدراسة أعلنتْ الجامعة التي أدرس فيها عن مسابقة في مجال فن الشعر والقصة،
وهأنذا أحضر حفل تكريم الفائز، وكالمعتاد لم أكن الفائز ولم أعرف كيف يكون طعم
النجاح، وكأن النجاح عدو يخشى مواجهتي، حاولتُ أن أستشف السبب الذي جعل ذلك الفائز
يتميز بمساهمته التي ألقاها في نفس الحفل عن مساهمتي، فلم أستطع معرفة سبب تميزه،
واستغربتُ حين سمعتُ أستاذين جامعيين فاضلين متخصصين بمثل هذه المسابقات يجلسان
أمامي سبق أن قاما بالتحكيم في هذه المسابقة وغيرها، كانا يتهامسان فيما بينهما أن
هذا الفائز يده طائلة والا كيف فاز؟
فقلتُ في نفسي مستغربا: هاه! إذن مساهمته لم تلق القبول لديهما وهما
من هما في هذا المجال ! والمسألة من وجهة نظرهما مسألة يد طائلة؟! يا ترى، هل ذاق
هذا الفائز طعم النجاح الذي يتحدثون عنه؟ ، صرختُ في نفسي على مقعدي: لماذا أشترك؟ أبذل وقتي وأعصابي وأدفع كل
تلك الأموال والمسألة مسألة يد طائلة؟!
فوجئ الاستاذين بي حين تركتُ مقعدي وشققتُ طريقي إلى المسرح، وأصعد
خشبته، وأختطف أقرب ميكروفون قائلا:
-
عذرا أيها الحضور الكريم، ولكن المسألة كما تكرّم هذان الاستاذان
الفاضلان بالقول مسألة يد طائلة.
نظرتُ إلى مجموعة من
الحراس يتجهون نحوي وملامح الغضب ترتسم على وجوههم عرفتُ أنهم سينزلونني من على
المسرح، فخاطبتهم عبر الميكروفون:
-
لحظة أيها الشباب، لم أستطع منع نفسي، ولكني أريد أن أعرف طعم
النجاح، وأن أتذوّقه ولو لمرة في حياتي، معي مساهمة لن تستغرق زمنا طويلا
وسأنزل مباشرة.
لم أنتظر
جوابهم، وبدأتُ في إلقاء مساهمتي، وما هي إلا لحظات حتى شعرتُ به أخيرا،
وعرفت طعم النجاح إذ كان التصفيق حارا، وأدركتُ عندها أن المسألة يفترض أن تكون من
البداية مسألة يد طائلة..
يد طائلة فقط.