الجمعة، 4 يونيو 2010

وحيد بروق

بيانات شخصية :
وحيد عبود سالم بروق
يمني من حضرموت - مدينة الشحر
بكالوريس تربية أحياء
دبلوم كمبيوتر



نفس المقطع أعلاه هنا فقط صوتي :

الرماد ( قصة ) تأليف الأستاذ وحيد عبود بروق

تعالت ضحكاته في الفراغ ، كان غلامًا يافعًا يودع أصدقاءه الصغار في طريق عودته إلى البيت ، و في البيت ناداه أحدهم :

- سعيد ، هل عدت يا حفيدي الصغير ؟

- هذا أنا يا جدي ، كيف عرفتني دون أن تراني ؟

- أستطيع سماع صوت أقدامك الصغيرة على الأرض ، و أستطيع الإحساس بأنفاسك المتلاحقة من شدة الجري .

- لقد تسابقنا أنا و أصدقائي للوصول إلى بيتنا ، و كل من في الحي يلاحقنا بعينه .

- لقد كبرتَ يا ولدي ، و عليك أن تشق طريقك نحو المستقبل .

- أنا لم أكبر بعد ، أم تريدني أن أصبح شيخًا مثلك يا جدي ؟

- لا أريدك أن تكون مثلي و لا أريدك أن تسلك نفس الطريق الذي سلكتُه في صغري .

- و لماذا يا جدي ؟

- سأحكي لك حكايتي يا صغيري ، سأحكي قصة طفولتي ، قصة عمار الصغير ، كيف نشأ و كيف بدأ و كيف صار ؟

- عمار ! عمار إلى أين تذهب ؟

- أريد أن ألعب في الخارج يا أمي .

- و هل ستترك أخاك الصغير ؟ إنه بحاجة لمن يرعاه و من يرعاه غيرك ؟!

راقب عمار أمه المنشغلة بغسل الثياب و أجاب :

- و أين هو الآن ؟ سآخذه معي إلى الخارج .

- ابحث عنه ..

انطلق عمار يبحث عن أخيه الصغير في غرف البيت فلم يجده ، و أخذ يبحث من جديد إلى أن وجده في المطبخ يعبث بأحد السكاكين فأطلق عمار شهقة صغيرة و ركض ناحية أخيه الصغير و حاول أن يسحب السكين من يد أخيه الصغير ، و حاول أخوه الصغير أن يسحبها تجاهه بدوره :

- دعها ستؤذيك !

- أنا لن أفعل بها شيء ، لن أفعل بها شيء !

صرخ عمار في أخيه الصغير :

- و ماذا ستفعل بها إذن ؟

- سأقطع بها هذا الحبل فقط ! فقط !!

نظر عمار إلى أخيه الصغير و ملامح الطفولة على وجه الأخير تطغى على قسماته ، فقال - عمار - :

- و بعدها سآخذ هذه السكين منك !

- سأعطيك إياها دعني إذن .

لوّح عمار بإصبعه السبابة في وجه أخه الصغير جيئة ً و ذهابًا قائلا في صورة الناصح المشترط :

- هذه المرة فقط !

- هذه المرة ، فقط هذه المرة .

أمسك الأخ الصغير بطرفي الحبل في يد ، و أمسك السكين في اليد الأخرى ، و أدخل السكين بين طرفي الحبل ، و مدّ يده ذات السكين على امتدادها إلى أن وصل إلى القمة التي سيقطع بها الحبل إلى اثنين و جعل يده الممسكة بالحبل إلى أسفل و يد السكين إلى أعلى ، فقال عمار :

- ليس بهذه الطريقة ، لا لا ! ..

- دعني سأقطعه ، سأقطعه !

تدخل عمار ليمسك يد أخيه الصغير الذي أصرّ على موقفه ، و فعلا قطع الحبل في اللحظة التي اقترب فيها عمار من أخيه ، لكن استمرت يد الأخ الصغير ذات السكين في المضي في طريقها إلى أن لامست عين عمار اليسرى الذي صرخ بعد أن وضع يديه على عينيه :

- آه ، ماذا فعلت .. ما هذا ؟ .. إنه دم ؟!

انطلق الأخ الصغير يجري هاربًا خائفًا إلى أمه .

الحفيد – ياه ، يا جدي ..

الجد – لم أكن أدري ما أصابني ، فقط أخبروني أن الطبيب يقول أنه لم يعد باستطاعتي أن أرى بعيني اليسرى ، و ألا أستبعد أن يصيب اليمنى ما أصاب اليسرى في غضون الشهر أو الشهرين على الأكثر .

ذهبنا من مستشفى إلى مستشفى و من طبيب إلى طبيب نحاول على الأقل أن نمنع الأذى عن اليمنى ، فكان كل من نذهب إليه يؤيد ما قاله الطبيب الأول .

و مضى الشهر و مضى الشهران ، و لم تصب عيني اليمنى بأي أذى ، و مضت السنة و السنتان و لم تصب عيني اليمنى بأي أذى ، فحمدنا الله و شكرناه على نعمته فينا و مضى على الحادثة عشرون عامًا و بعدها ..

- عمار ، أتريد أن تخرج معي ؟

- لا أريد ، شكرًا لك ..

فارقني أخي الصغير و تركني فحدّثتني نفسي بأمور :

- و إلى أين أخرج يا حسرة .. منذ وقعت الحادثة و أصدقائي يتهربون مني و يصادقون أخي ، لا تعجبهم النظارة السوداء التي أخفي فيها عيني و لا أضعها إلا لأجلهم ! و لا تعجبهم أحاديثي و أخباري و قصصي المسلية لأنني لم أعد أستطيع أن أحكيها كما كنت قبل الحادثة ، لم يعد منهم من يهتم لأمري ، و إن طرق أحدهم باب البيت سأل على أخي ، هو سبب ما أصبت به ! ، لم يعد لي عمل و السبب أخي ، لم يعد لي أصدقاء و السبب أخي ، لا أستطيع أن أشغل نفسي بشيء و السبب أخي !

سأنتقم ! .. هذه هي لحظة الانتقام .. لربما أراد الله أن تبقى عيني اليمنى بدون أذى كل هذه السنين لأكون قادرًا على الرد ، قادرًا على إعادة الحق .. قادرًا على إقامة العدل ..

ها هو أخي قادم ، و ها قد حانت اللحظة .

دخل الأخ الصغير إلى البيت و ألقى تحية قصيرة على أخيه عمار الذي أخذ أخاه على حين غفلة و أسقطه بضربة عصا على رأسه أرضًا ساكنًا بغير حراك ، فقال عمار كمن يستيقظ من حلم :

- ماذا فعلت ؟ .. لقد قتلت أخي ! ..

الجد – و اسودت الدنيا في عيني اليمنى ، و أدركت أنني لم أعد أستطيع أن أرى ، و تحققت نبوءة الطبيب .

الحفيد – و هل قتلته فعلا يا جدي ؟

- الحقد أعماني و أعمى بصيرتي .

- هل قتلته حقـّـًا ؟

- إنه أخو جدك و عمّ والدك ، و أنت تعرفه جيدًا و هو ما يزال حيًا إلى هذه اللحظة ..

- أتقصد ..

- أدركت عندها أنني كنت بأفضل حال بعيني اليمنى ، فهلا ّ أخذتَ بيدي إلى المسجد فها هو المؤذن يؤذن بالصلاة .

- آسف أن ذكّرتك بذكريات حزينة .

- الحقد أعماني و أعمى بصيرتي يا ولدي .

و ظل الجد يكرر هذه العبارة و هو يتحسس بعصاه الطريق و حفيده يقوده إلى طريق المسجد .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق